هُناك يموتُ الضَّمير

الضمير أو ما قد يسمي « الوجدان » هو قدرة الإنسان على التمييز فيما إذا كان عمل ما خطأ أم صواب أو التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وهو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالإستقامة أو النزاهة عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة إختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدي كل إنسان. فقد فسر علماء العصر الحديث في مجال العلوم الإنسانية و علم النفس و الأعصاب الضمير أنه وظيفة من وظائف الدماغ التي تطورت لدي الإنسان لتسهيل الإيثار المتبادل « بالإنجليزية Atriums » أو السلوك الموجه من قبل الفرد لمساعدة الآخرين في أداء وظائفهم أو احتياجاتهم دون توقع أي مكافأة وذلك داخل مجتمعاتهم.


فالضميرفي الأصل كلمة عربية، وتعني حسب ما يتم تداولها السِّر وداخل الخاطر، والجمع الضمَّائرُ. والضمير الشيء الذي تضمره في قلبك، ولذلك نستخدم في لهجتنا كلمة أضمرت لك أي خبأت لك أو أخبرني بما في ضميري أي بما في داخلي، فالضمير لتوضيح الموضوع كأنه هو المكان الموجود في داخل الإنسان فيضع فيه أسراره وما يحب أن يخفيه عن الآخرين.

ولذلك إذا طالبت الآخر بأن يحكم ما في داخله من عادات وتقاليد وشرف وغير ذلك تقول له حكم ضميرك والأصح حكم ما في ضميرك أي حكم ما تحويه بداخلك من عادات وتقاليد، فالمرأة الشريفة وإن لم تكن مسلمة، يوجد في داخلها تقديس للشرف والعفة والكرامة ولذلك فإنها عندما تحافظ على شرفها فإنما تفعله استجابة لما في داخلها من مفاهيم وعادات تربت عليها، ولذلك قالت هند بنت عتبة: أو تزني الحرة؟ مستنكرة هذا الفعل من المرأة الشريفة، وكذلك قول سيدنا عثمان رضي الله عنه: والله ما زنيت في الجاهلية تأثماً ولكن تكرماً، فما وجد في داخله مما تربى عليه منعه من الزنا.

ولذلك فإن الضمير هو ما يضمر أي يخفى، لذا فإنه لا يصلح أن يكون وازعاً ولكن ما أخفي فيه هو الوازع، سأل عمر بن عبد العزيز أحد نصحائه قائلاً: من أولي أمور المسلمين، أهل الدنيا أم أهل الدين؟ فأجابه: إنك لا تحب أهل الدنيا، وأهل الدين لا يحبون المناصب. فرد عمر: فمن إذن؟ فقال: عليك بأهل الشرف. فقال عمر: ومن أهل الشرف؟ قال: أهل الشرف هم الذين يأبى شرف أحدهم أن يسرق أو يظلم يمنعه شرفه. فالضمير هو الذي يجعلنا نميز بين الحسن والقبيح من الأفعال والأقوال وهو في الإنسان منذ مولده ولكن منا من يحييه بالصلة الدائمة بالله ومنا من يميته تدريجيا بالبعد عن الله، فلو سرنا وراء ضمائرنا وأصبح هو قائدنا اخترنا الحسن فنجونا بأنفسنا من الهلاك.

الضمير الإنساني مُثقل بجرائــم الغـــرب :


سُئل المفكر العظيم إبراهيم البليهي عن تفسيره للإنهيار الأخلاقي في الغرب، فجحظت عيناه ( الجاحظتان أصلاً من شدة الإنبهار بالغرب )، وأجاب بدهشةٍ وعجبٍ: « أيُّ انهيار أخلاقي؟!..هذا غلط، الأخلاق ليست هي الجنس.... عندما يدخل الإنسان قصراً فخماً أنيقاً فيه كل ما يبعث الإنبهار والروعة ثم لا ينظر إلا إلى صندوق المهملات »، ثم أضاف المفكر ـ ولا زالت عيناه جاحظتين: « أخلاقهم عالية، الجانب الإنساني عندهم قوي، الجانب الإنساني عندهم رائع إلى أبعد الحدود ».. « هم ليس عندهم نفاق، لأنه ليس عندهم ما يخفونه... لا يخافون مما يعلنونه حتى يخفوه »، أما مفكر جريدة الرياض محمد المحمود، فقد سبق له أن ملأ الدنيا بمعلقات المديح لليبرالية الغربية وتقدميتها التي تعانق إنسانية الإنسان، و عبدالرحمن الراشد سبق أن زاد في الغباوة فأعلن أن التسامح المثالي المنشود لا يمكن أن يأتي من جهة الشرق أبداً، وأعلن أنه سيبقى واقفاً ينتظر أن يتفرغ الغربيون ليشرحوا له دين الإسلام شرحاً «  بروتستانتياً متسامحاً ».

لكن الضمير الغربي ذو تكنولوجيا عالية، إنه مزود بمفتاح غلق وفتح، وبهذا يمكنهم أن يعطلوه في أية لحظة، يغلقونه عندما يتعلق الأمر بالبوشمن ويفتحونه مع اليهود، يغلقونه مع الفلسطينيين والسوريين ويفتحونه مع دارفور. هذه المقولات لهذا الثلاثي المستغرب وردة فعل الضمير الغربي وحسه المرهف تجاه جرائم اسرائيل ضد الفلسطينين وجرائم الغرب الحاقد علي المسلمين وأوطانهم، ناهيكـ عن احتلال الدول للبلاد الأخري والعيش علي استغلال ثرواتهم ومقدراتهم.

هم متسامحون!...
ليس عندهم نفاق!...
الجانب الإنساني عندهم قوي!...
تقدميتهم تعانق إنسانية الإنسان!...
الجانب الإنساني عندهم رائع إلى أبعد الحدود!...

هذا ما اتفقت عليه كلمة شعراء بلاط البيت الأبيض الأمريكي وسيراميك الإتحاد الأوربي

ومن غريب المفارقات الإتهام المتكرر للعرب والمسلمين بطغيان العنصر الديني على حياتهم، في حين أن الحاصل هو كون الرؤية الغربية للعالم العربي والإسلامي تغلب عليها نظرة تبسيطية، تختزل كل شيء في البعد الديني الثقافي، وهي رؤية تستبطن موقفاً عنصرياً ينطلق من اعتبار أن ما يسمى الثقافة الغربية ذات الجذور اليهودية المسيحية يمثل محور الحضارة الإنسانية، ومن ثم فإن كل الثقافات الأخرى تقترب من التحضر بقدر ما تتخلص من خصائصها المغايرة للثقافة الغربية.

هذه النظرة يترتب عليها تناقض في مسلك الباحثين الغربيين الذين يجهدون أنفسهم في تحليل العوامل الموضوعية التي تفسر ملامح التطور وسمات التخلف في تاريخ مجتمعاتهم، لكن ملكاتهم التحليلية تتعطل تماماً عندما يتعلق الأمر بواقع المجتمعات الإسلامية، حيث يجدون في البعد الديني مفتاحاً سحرياً لتفسير كل الظواهر، محاولين الإيحاء بأن التخلص من المقومات الدينية والثقافية لهذه المجتمعات كفيل في حد ذاته بإصلاح كل أوضاعها الفاسدة. فضلاً عن ذلك: أصبح لهذه المقاربة التبسيطية بُعداً لا يقل أثراً، فقد ترسخت لدى كثير من الغربيين للعالم وتقسيمه إلى عالم للخير مركزه الغرب، وعالم للشر هو عالم الإسلام.  وبمقتضى هذا التقسيم تنسب كل الممارسات السيئة للإسلام حتى لو لم تكن للمسلمين أي علاقة بها، كما لو أن عالمنا الذي يعج بالأمم والملل لا وجود فيه لكيانات أخرى خارج نطاق هذا التصنيف.

غير أن تحيز النخب الغربية ضد الإسلام لا يقف عند حد هذه المواقف، بل أسهم أيضاً في تعميق الشرخ داخل الجاليات الإسلامية عبر إغراء فئات منها بالعمل ضد البقية، الأمر الذي ولّد ما يمكن أن يطلق عليه ظاهرة « الإسلاموفوبيا » التي تناولها الباحث الفرنسي فانسن جيسير ( Vincent_Geisser ) في كتابه « الإسلاموفوبيا الجديدة ».

الضمير الدولي والأحداث في سوريا :


 إن التاريخ يعيد نفسه.. فما تم تبريره من جرائم ارتكبت في حق الإنسانية في الماضي يتم اليوم أيضاً تبريره دون خجل أو حياء بمساعدة نظام سيأتي دوره في اجتثاثه واقتلاعه وسيبقي المناضلون أحراراً بأوطانهم التي ضحوا بدمائهم في سبيلها.


Google Ads

هذا الحساب تابع لمدونة مدون محترف وهو خاص بقوالب بلوجر التي نقوم بتعريبها

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة