الوسائل التربوية في الأحاديث النبوية

مما لا شك فيه أن الوسائل التعليمية من العناصر الهامة المفيدة في الموقف التعليمي.. فالوسيلة التعليمية الناجحة: توفر الوقت والجهد على المعلم والمتعلم على حد سواء.. إذ يصل بها المعلم إلى مآربه في عملية التعليم.. بل ويشعر بالرضا النفسي لما حققه من نتائج في الموقف التعليمي.
 

والوسائل التعليمية التي يستخدمها المعلم كثيرة ومتنوعة خاصة مع التقدم العلمي والتكنولوجي الرهيب في مدارسنا اليوم الذي جعل العالم بين يدي المتعلم.. هذا ولقد سبق الرسول صلى الله عليه وسلم المدارس الحديثة في التربية باستخدامه أرقى الوسائل التربوية في العملية التعليمية.. ولقد شغلني هذا الموضوع كثيرا ومنذ زمن بعيد إلا أن قلة المراجع التي تعرضت لهذا الموضوع جعلت الكتابة فيه صعبة.. وشاقة أحيانا ومع الإصرار تخمرت الفكرة ونضجت وبادرت بتجميع الخيوط ونسجها.

فما هي إذن تلك الوسائل التربوية في الأحاديث النبوية؟!!!



... مما لاشك فيه أن التكرار من الوسائل التربوية الهامة في الموقف التعليمي.. والمعينة على الحفظ والفهم والاستيعاب.. هذا ولقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم قيمة هذه الوسيلة فحرص على استخدمها:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ((كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه..)) أخرجه البخاري في كتاب العلم.
وقد مثل البخاري رحمه الله لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا وقول الزور)) فما زال يكررها... ويقول ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل بلغت؟)) ثلاثا، وبحديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ويل للأعقاب من النار)) مرتين أو ثلاثا والتكرار في الحديثين للتفهيم والحفظ.
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات كما تعلم الكتابة: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن نرد إلى أرذل العمر وألوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر)) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات.
وكذلك كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يفعل مع بنيه فيعلمهم هذه الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة وهذا المنهج التربوي طبقه الرسول الكريم ووعاه الصحابة فكان له السبق في استخدام هذا الأسلوب الهام في التعليم.

والمعلم الناجح هو الذي يتأنى في عرض الدرس مستخدما أسلوب الحوار والمناقشة ليصل بذلك إلى عقول كل المتعلمين فيعون ما يقول ويفهمون ويحفظون ما يلقي على مسامعهم.. وهذا الأسلوب الجذاب أثناء العرض استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الموقف التعليمي فكان يتأنى ولا يستعجل في كلامه.. بل يفصل بين كل كلمة وأخرى حتى يسهل الحفظ ولا يقع التحريف والتغيير عند النقل حتى ليسهل على السامع عد كلماته لو شاء. وفي رواية: ((ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من يجلس إليه)) أخرجه الترمذي في كتاب المناقب وبذلك يكون الرسول أول من دعا إلى التأني في الموقف التعليمي وأول من استخدم ذلك.


.. ولاشك أن المعلم الماهر والحصيف هو الذي يراعي طاقة المتعلمين ويكون درسه مناسبا لزمن الحصة وهذا ولا شك من عناصر التحضير الجيد للدروس حسب إرشادات المدرسة الحديثة في التربية.. هذا ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقتصد في تعليمه وفي مقدار ما يلقيه وفي نوعه وفي زمانه حتى لا يمل الصحابة.. وحتى ينشطوا لحفظه ويسهل عليهم عقله وفهمه وهذا واضح في جملة مستكثرة من حديثه صلى الله عليه وسلم أما اختياره صلى الله عليه وسلم أوقات النشاط الذهني والاستعداد النفسي لدى الصحابة.. ومباعدته بين الموعظة وأختها.. حتى تشتاق النفس وينشرح الصدر للتلقي فأمر لاحظه الصحابة بوضوح. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا " أخرجه البخاري في كتاب العلم ولا ريب أن مثل هذا الأسلوب يراعي طاقات المتعلمين ويطارد الملل الذي يصيب بعضهم ويبقي النفوس فى حالة من الشوق والترقب... والأذهان في حالة من النشاط والتحفز... قال الجاحظ: (قليل الموعظة مع نشاط الموعوظ خير من كثير وافق من الأسماع نبوة ومن القلوب ملالة).


... حثت المدرسة الحديثة في التربية على استخدام المعلم داخل حجرة الدراسة الأمثال لما للمثل من أثر بالغ في إيصال المعنى إلى العقل والقلب ذلك أنه يقدم المعنوي في صورة حسية فيربطه بالواقع ويقربه إلى الذهن.. فضلا عن أن المثل بمختلف صوره له بلاغة تأخذ بمجامع القلوب وتستهوي العقول... وبخاصة عقول البلغاء ولا شك أن هذا الأسلوب كان منهج الرسول (صلى الله عليه وسلم) منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد... إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " أخرجه البخاري في كتاب الأدب.
ويقول تعالى في سورة الحشر: 21 {وَتِلْكَ الأَْمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.


... كثير ما يؤكد السادة الموجهون في حقل التربية والتعليم على ما يسمى بالتمهيد في دفاتر تحضير المدرسين وعرض ذلك على التلاميذ داخل حجرة الدراسة لما للتمهيد من تهيئة للتلاميذ إذ يحدث حالة من النشاط الذهني الكامل ويحدث لونا من التواصل القوي بين المعلم والمتعلم... وهو كذلك من الوسائل التربوية المهمة.. والتي تخلق جوا انطلاقيا ملؤه الإثارة والتشويق ولفت الانتباه. والرسول (صلى الله عليه وسلم) كان أفضل من استخدم مثل هذه الوسيلة ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا.. ويرفع به الدرجات؟)) قالوا: بلى يارسول الله قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره.. وكثرة الخطى إلى المساجد... وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط.. فذلكم الرباط... فذلكم الرباط)) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة.
وعن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((أتدرون من المفلس؟))، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: ((إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا.. وقذف هذا.. وأكل مال هذا.. وسفك دم هذا... وضرب هذا... فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته... فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم.. فطرحت عليه ثم يطرح في النار)) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة.
ولا شك أن هذا لون رائع من ألوان التعليم يثير في النفس الرغبة في السؤال ويدفعها بقوة إلى التطلع للمعرفة واستشراف الجواب ومن ثم استيعابه وحفظه.. لما فيه من طرافة وغرابة.


... كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يستخدم ما يسمى اليوم بالوسائط التوضيحية لتقرير وتأكيد المعنى في نفوس وعقول السامعين وشغل كل حواسهم بالموضوع وتركيز انتباههم فيه... ما يساعد على تمام وعيه وحسن حفظه بكل ملابساته.



كتشبيكه (صلى الله عليه وسلم) بين أصابعه وهو يبين طبيعة العلاقة بين المؤمن وأخيه. فعن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه... عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " المؤمن للمؤمن كالبنيان.. يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه. أخرجه البخاري في كتاب المظالم.


... لا ينكر أحد ما للوسيلة التعليمية التي يستخدمها المدرس داخل حجرة الدراسة من بالغ الأثر على المستهدفين من طلبة العلم.
فاللوحات المتضمنة رسومات توضيحية ترسم المعلومة في عقول التلاميذ والمتلقين ناهيك عن استخدام جهاز عرض فوق الرأس والكمبيوتر في العملية التعليمية هذا ولقد استخدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمثال تلك الوسائل وكان له السبق في استخدامها لما لها من الإثارة والمتعة والتشويق والإدراك التام للفكرة وحفظها وترسيخها في العقول فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (خط النبي (صلى الله عليه وسلم) خطا مربعا.. وخط خطا في الوسط خارجا منه ـ وقد أحاط به ـ وهذا الذي هو خارج أمله... وهذه الخطوط الصغار الأعراض.. فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق.

ففي هذا الحديث بين لهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بالرسم على الأرض كيف يحال بين الإنسان وبين آماله الكثيرة الواسعة بالأجل المفاجئ أو الحوادث والنوائب المهلكة والفاجعة التي تتواتر عليه يتبع بعضها بعضا إذا سلم من واحدة أوجعته أختها حتى يأتيه الموت وفي ذلك دعوة لقصر الأمل وحض على الاستعداد للموت قبل هجومه المفاجئ.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (إن نبي الله (صلى الله عليه وسلم) أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله: ثم قال: (إن هذين حرام على ذكور أمتي... حل لإناثهم) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس.


... ومما لا شك فيه أن التعليم العملي وخاصة في مادة الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتربية الدينية له الأثر الكبير في الإفهام وترسيخ المعلومة لدى المتعلمين ولا شك أننا في حاجة ماسة إلى مثل هذا الأسلوب في التعليم خاصة في مجتمعاتنا العربية التي يغلب أسلوب التلقين داخل حجرات الدراسة فيها هذا ولقد انتهج الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا الأسلوب الحديث في التعليم عندما كان يعلم الصحابة الصلاة حيث قال بعد ما فرغ: ((أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي)) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة ناهيك عن اللين في التعامل مع المتعلمين.


مما لا شك فيه أن ما تقدم غيض من فيض وهو دليل جازم على أن الإسلام له السبق في استخدام الوسائط التربوية في العملية التعليمية وهذه المبادئ التي وضعها الإسلام تربو على أحدث النظريات الحديثة في مجال التعامل مع المتعلمين والتي تصلح لكل زمان ومكان... فما أعظم الإسلام دستورا ومنهج حياة.

Google Ads

هذا الحساب تابع لمدونة مدون محترف وهو خاص بقوالب بلوجر التي نقوم بتعريبها

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة