الجيوبولتيك وأحلام العرب

كبيرة هي أحلام العرب، وعديدة هي متطلبات تحقيق هذه الأحلام، وفي الوعي العربي تصورات حول أهمية الحلم ووجوب العمل على تحقيقه.. لكنّ دوافع تحقيق هذه الأحلام يبقى ضبابيا في ظل غياب عاملين رئيسين :
العامل الأول :  عدم إدراك ما هي أدوات تحقيق الحلم العربي الكبير.
والعامل الثاني :  الإرادة القوية التي من خلالها يتم استخدام الأدوات في تحقيق الحلم.


إنها إذا أدوات ووعي بأهميتها في المقام الأول، وإرادة صلبة على استخدام هذه الأدوات ضمن مسار وخطة لتحقيق الحلم العربي الكبير. هذا الحلم يمكن اختصاره في كلمة هي أكثر ما تستخدم اليوم « النهضة » .. وبين نهضة ونهضة يكمن الفارق في تحديد الأدوات ورسم الخارطة الكبرى للمسار.

من هنا يسلط الدكتور جاسم سلطان مؤلف كتاب  « الجغرافيا والحلم العربي القادم (جيوبولتيك) »  الصادر عن دار  « تمكين »  للأبحاث والنشر، الضوء على أداة مهمة وأساسية، هي أداة الجيوبولتيك. هي تلك الأرض التي نسير عليها وتسير بنا، نزعم أنها معنا لكنها قد تخذلنا إذا خاننا الإدراك بأنها ثابتة وصلبة في حين أنها تتحدث وتخاطب الأذكياء وتستجيب لنظرتهم الشفافة في النظر للأرض ومن عليها.

إنها الأداة التي رسمت شكل العالم اليوم بعد صراع طويل ونظريات فلسفية جسدتها الحروب الكبرى في العالم.. ورغم كُره العالم لهذه الأداة وما عكسته من دمار إلا أن الأقوياء ومن يستغل الفرص يعتبرها مهمة في تحقيق المكاسب والقوة السياسية لمشروعه وحلمه.

 يوضح الكاتب أهمية وضع نظرية جيوبولوتيكية للمنطقة التي تمثل أحلامنا وطموحاتنا وهذه النظرية مرهونة بشكل أساسي بفهم طبيعة العالم، وطبيعة اللعبة السياسية، وتاريخ تشكّل الوضع المعاصر وتراتبية القوة قبل الخلوص لتصور استراتيجي للوطن العربي وممكناته.

للجغرافيا أقسام كثيرة والكاتب يركّز كما هو واضح من عنوان الكتاب على الجيوبولتيك والتي هي فرع من فروع علم الجغرافيا السياسية. أما عن الفرق بين الجغرافيا السياسة وفرعها الجيبولتيك، فالأولى تصف وتستنج عوامل القوة والضعف كما هو الحاضر، والجيوبولتيك تمثل ضمير الدولة وطموحها واحتياجاتها ومصالحها في المستقبل، وكيفية حمايتها والمحافظة عليها، فهي بالتالي مفاتيح السياسة القومية.

فدولة مثل مصر يمكن توصيف نقاط قوتها وضعفها اليوم، وهذا دور الجغرافيا السياسية، أما رؤيتها المستقبلية وأمالها واحتياجاتها ومصالحها والتي تتعدى حدودها، فهو الدور الذي تلعبه الجيوبولتيك، إنها النظرة للمصالح القومية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

وعلى هذا الأساس فالجغرافيا السياسة ترسم شكل الحاضر، أما الجيوبولتيك فيرسم شكل المستقبل وبين إدراك الحاضر واستغلال فرص المستقبل تكمن رحلة هذا الكتاب.

النقطة الأولى : تخبرنا أن العالم متغير باستمرار، هذه الحقيقة البسيطة التي يجب أن تتمركز في عقل صانع القرار السياسي، وعليها فهو يضع في حسبانه أمرين مهمين :
أن يحلم بالأفضل دوما.
أن يستعد للأسوأ دوما.

هذان المبدآن يستعرض الكاتب كيف يسيطران دوما على المشهد التاريخي، ويحذرنا أنها سنة المستقبل الأبدية، وما ثورات اليوم إلا أحلام للأفضل لدى البعض وكوابيس سيئة لدى البعض الآخر.. فمن هو اليقظ لهما؟

أما النقطة الثانية : والمتعلقة بنظريات العلاقات الدولية ومتخذ القرار فخلاصتها تقول :   « من الحكمة أن نعرف كيف يفكر عالم القوة » . والمثال البارز لعالم القوة اليوم هو أمريكا، ولفهم مدخلات القرار العالمي كيف تتم، فمن خلال المعطيات الثلاث الرئيسية التالية يمكن إسقاط أي قرار تتخذه أمريكا حول العالم :

-       الفرد وهو هنا الرئيس.

-       الدولة ومؤسساتها، وهي تعني ما هي المصالح الكبرى للدولة لبقائها قوية مسيطرة.

-       المؤسسات الدولية، هذه المؤسسات إن لم تتوافق مع قرار متخذ القرار الأمريكي فإنه ببساطه يتجاوزها بل ويتهمها بأنها معطلة للسلم العالمي وبأنها عديمة الجدوى، والمفتاح لفهم هذه المعادلة أن المؤسسات الدولية 80 % من ميزانية الصرف عليها تأتي من أمريكا نفسها.

أما النقطة الثالثة : والتي تتبع النقطة الثانية والمتعلقة بالفرد متخذ القرار..فلكل صاحب قرار نظرة مبنية على نظرية من نظريات العلاقات الدولية، ومن خلال هذه النظريات يمكننا معرفة كيف يفكر صاحب القرار؟
فهو ينظر لطبيعة البشر هل هم منطقيون يسعون لتحقيق مصالحهم ؟ أم عشوائيون لا يمكن توقع تصرفاتهم؟
وهو ينظر لطبيعة الساحة الدولية  « هل هو عالم المصالح المتبادلة؟ أم عالم الفوضى وعدم الانتظام؟ » .
وهو ينظر لدور الدول  « أهي اللاعب الأساس؟ أم أن هناك مصالح أخرى كمصالح الرأسماليين والبرجوازية العالمية هي من يحركها؟ »

وهو ينظر لدور المنظمات الدولية  « هل هذه المنظمات لاعب أساسي أم أنها غير ذات قيمة ويمكن تجاوزها؟ » .
هذه النظرة لصاحب القرار نحتتها نظريات العلاقات الدولية، والتي استعرض الكاتب مرتكزات كل نظرية على حدة ومن أبرزها (الليبرالية – الليبرالية الجديدة – الواقعية – الواقعيون الجدد – المنظور اليساري الجذري).

النقطة الرابعة : يخبرنا الكاتب فيها عن معادلة دول المركز، وكيف تشكّلت عبر التاريخ، فمن خلال :
   -  قوة العلم والمعرفة.
   - والتفوق في الآلة العسكرية.
   - زراعة فكرة الإنسان الأبيض المتفوق عن من سواه.. صعدت هذه الدول إلى قمة هرم العالم لتحتكر القوة فيه.

 النقطة الخامسة : « كل حلم يسعى للسيطرة على العالم ينتهي بالتفكك والانهيار في النهاية. »
فمن خلال نموذج جنكيز خان يستعرض الكاتب مراحل تشكّل الحلم من خلال الرجل الفولاذي جنكيز خان، فهو الذي وحّد القبائل المتناثرة تحت رايته، ورسم طموحه ورؤيته للتوسع في صورة خيالية رسم أبعادها الجغرافية على مساحة تقدر بـ30 مليون كيلو متر مربع!

وكنتيجة طبيعة لهذا التوسع الكبير بدأت موارد الإمبراطورية تُستنزف، ودخلت في طور الهزائم العسكرية الصغيرة التي تراكمت وهدت الجسم الكبير للإمبراطورية.. كما كان لاحتكاكهم بشعوب وديانات المناطق التي احتلوها أثر في تفككهم.. فقد أثروا وتأثروا.. وكان للانقسام داخل الجسم الحاكم الأثر الكبير، واختلاف المصالح الرؤى فيما بينهم لعب دوره في إضعاف نسيج الإمبراطورية.

أما العبرة من قصة جنكيز خان فتتجسد في تقاطع حلمه مع أحلام القوى العظمى اليوم في التمدد والتوسع وبناء قوى تسيطر على القوى الأضعف.. فتدخل في طور الحلم ثم التوسع والتمدد ثم بداية الانهيار والتفكك.

النقطة السادسة : « روح الجيوبولتيك »  بعيدا عن التسمية واختلاف الأكاديميين حولها.. ما الذي يعنيه هذا العلم عمليا على الأرض من الناحية التطبيقية هو المهم، والأهم أن نظريات الجيوبولتيك هي التي تحكم القرار السياسي لمتخذه.. فمن خلال هذا العلم صاغ (راتزل) نظريته القائلة إن الدولة كائن عضوي يكبر وتزداد احتياجاته باستمرار، وأن الحدود أشبه بجلد الكائن العضوي، والذي يجب أن تتمدد باستمرار مع نموه، وما هتلر وحراكه النازي سوا إحدى تجليات هذه النظرية!

النقطة السابعة : (كيف تشكّل العالم اقتصاديا؟).. سؤال يحمل في طياته مسار تاريخي من الأحداث العظيمة، وكيف تم سحب البساط من تحت القوى القديمة المسيطرة على أهم الممرات التجارية؟ بداية الرحلة ولدت بفكرة البحث عن بديل للمرات الآسيوية والتي كان العرب والمسلمون يسيطرون بها على حركة التجارة، ومن خلال اكتشاف رأس الرجاء الصالح والأمريكتين وما تحويه من كنوز، وتطور عالم الأفكار وانتقال مركزية الاهتمام من الله للإنسان، وبروز الأفكار التحولية كالحرية والعمل في التجارة..تشكّل العالم اقتصاديا.

النقطة الثامنة :  أثر الاقتصاد على السياسة العالمية. فالعالم كتلة واحدة.. هكذا ينظر رجل السياسة للعالم، وهو في مخيلته يعتبرها ساحة يزدحم فيها اللاعبون.. كرقعة الشطرنج تماما، وكل حجر يتحرك فيها يعني أن العالم بأسره سيتأثر بها.

أحد أهم الأمثلة الأكثر حضورا على الساحة الدولية هو موضوع النفط.. والنفط سلعة لها أبعادها التي تتجاوز الاسم، فهناك مواقع الآبار والدول التي تمر بها الأنابيب والممرات التي ستعبر منها الناقلات، والدول التي تشتري هذه السلعة، ومدى ترابطها مع بقية السلع الآخرى. عندما نرى الصورة كاملة يمكننا أن نتخيل بعدها معنى كلمة حماية النفط.

النقطة التاسعة :  مستويات دول العالم :  ينظر رجل السياسة لدول العالم بناء على مستويات متفاوتة فيما بينها، فهو يصنفها بناء على حضورها وقوتها في العالم، فهناك دول المبادرة، ودول القابلية، ودول الطموح الإقليمي، ودول المسرح، ودول الخمول، ودول الحضور.. وعند النظر استراتيجيا لمختلف اللاعبين تبرز أسئلة مهمة :  ما هي رؤية قياداتها وطموحاتهم ؟ ما أثر تحركها على القوى الأخرى؟ ما هي قدراتها وإمكانياتها؟ ما هو محطيها وما علاقتها به؟ وما هي احتياجاتها ومخاوفها؟

كل هذه الأسئلة تحتاج لإجابات واضحة من رجل السياسة، ومنها يستطيع فهم وإدراك أبعاد تحركات كل لاعب على الساحة الدولية.

النقطة العاشرة :  تطبيقات الجيوبولتيك – أمريكا نموذجا. فمن أبرز الأمثلة الجيوبولتيكية حضورا هو المثال الألماني، فهتلر انطلق لاحتلال قلب العالم، وكاد أن ينجح لولا انكسار جيشه عند ستالينغراد.. وبعدها سنجد أمريكا تسير على نفس الفكرة.. فهي وارثة الحضارة الغربية وآخر تجلياتها، ومن هنا بدأت أمريكا من خلال طريقين رئيسين السيطرة على العالم :  الأولى من خلال الترتيبات العسكرية والتي تضم :  (أساطيل، قواعد عسكرية، تسهيلات عسكرية، تحكم بشبكة الاتصالات، الدرع الصاروخي، أحلاف عسكرية.)، والثانية من خلال الترتيبات الغير عسكرية (الأمم المتحدة، قوة الانتاج والمعرفة، التحكم بالاقتصاد العالمي).

النقطة الحادية عشر :  (عالم ما بعد أمريكا والقوى العالمية) فهناك قوى في العالم تسعى لتحسين وضعها باستمرار في مقابل القوى العظمى في العالم، فالصين مثلا تمتلك الطموح العالمي، والسؤال لدى صانع القرار الغربي اتجاهها متى يجب أن نقلق من تزايد قوتها الناعمة؟ فمع كل نجاح للصين تقترب من صنع معادلة التوازن الاستراتيجي من خلال اقتصادها النامي والقوي.. ومن هنا تأتي حيرة اللاعب الغربي.

أما روسيا فتمتلك الطاقة العلمية واقتصادها ينمو باطراد وروحها القومية متوثبة وذاكرتها في الصراع مع الغرب حاضرة..وأحد أهم أهدافها قطع الطريق على أمريكا من خلال السيطرة على أسيا وذلك بتحالفها مع الصين.

أما النمور الآسيوية (سنغفورة، ماليزيا، كوريا الجنوبية، تايلند) فقد أصبحت نموذجا يشار إليه عاليا بسبب نموذجها التنموي، وقد تبنت هذه الدول الليبرالية الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات الاجنبية، واعتمدت التصنيع والتصدير للدول الغنية، ورغم عدد من الإخفاقات التي لحقت بها إلا أنها استطاعت تحويلها لنجاحات بفضل منظومتها الفكرية التي تقدّس العمل والتخطيط الدقيق، وبفضل جديتها في قبول التحدي واستعداداها للمعالجة الجذرية لأي أزمة تمر بها.

ولنا أن نسأل أنفسنا هنا :  هل خامة الإنسان الآسيوي في هذه الدول من ناحية مفاهيم العمل والانضباط متفوقة على نظيره العربي؟ كيف تخلصت هذه الدول من عائق البيروقراطية وتحصلت على مستوى من الشفافية سمح بتقليل الفساد والهدر؟

أما تركيا فقد دخلت من خلال حزب العدالة والتنمية لعهد جديد رسمت فيه ملامح تركيا المستقبل بقوة اقتصادية تنافسية مع كبرى الدول، أما من الناحية السياسية فقد ملئت تركيا الفراغ في المنطقة متنافسة مع إيران وإسرائيل خاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين، وذلك تحت حاجة أمريكية للاعب مهم في المنطقة لإدارة المشهد العالمي…والسؤال الكبير هنا عن فرصة المشروع العربي الضائع في الالتحام بتركيا كقوة إقليمية كبرى.

أما إيران فتتأرجح اليوم بين مفهوم الدولة الحديثة والحلم الديني الكوني المتمثل بعودة المهدي.. فهي من جهة تمتلك قوة نامية إقليميا وتعلب دور رئيسي في محيطها الجغرافي.. وفي نفس الوقت تسعى لخلق نقاط ارتكاز لها في دول الجوار..والسؤال هنا هل ستقود أيديولوجية إيران الدينية الحادة دولتها النامية لذات مصير من سبقها من الدول الأيديولوجية الحادة والمتصادمة مع العالم؟

النقطة الثانية عشر :  (نحو نظرية جيوبوليتيكية عربية)

الفكر والواقع السياسي :  شكلت نظريات الجيوبولتيك تصورا وبوصلة للمستقبل عند أمم الأرض، لذلك فأول ما نحتاجه اليوم هو وضع سياق جيوبولتيكي للعقل العربي وخاصة عند صناع القرار، ولنا أن نسأل أنفسنا :  هل آن الأوان لتحرير إرادتنا والتفكير في وضعنا ككتلة عالمية بدل هذا التذبذب الذي يطبع الفكر العربي السياسي حتى اللحظة؟

والحل يبدأ بتنمية الشعور بالمصير المشترك للأمة العربية،والأهم هو وضع هذا الشعور تحت منصة التشريح وإعطاءه لغة ومعنى وحيوية جديدة تجعله لغة تواصل ومن ثم لغة تنسيق وتوجيه.

التصور الجغرافي للمنطقة :  علينا إدراك أن العصر الحالي لم يعد يعترف بالكيانات الصغيرة، بل يتحرك من خلال كيانات كبرى طبيعية أو مختلفة..فعندما ننظر لحقائق الوطن العربي نجد أنه يشكل رابع أكبر الوحدات السكانية في العالم، أما مساحته فهي تفوق مساحة قارة أوروبا ومساحة أمريكا.

ما يتمتع به الوطن العربي من موقع متميز يجعل منه موطن السفينة والجمل، فهو يتمتع بقابلية الحركة على الأرض أو في البحار وقابلية التواصل مع البقع الاقتصادية الأهم في العالم كأسواق وكمستقبل، وفي نفس الوقت يطل الوطن العربي على أهم الممرات العالمية المعاصرة، والجسر الذي يربط اليابس الأوروبي بآسيا وإفريقيا.

والوطن العربي هو خزان الطاقة للعالم المعتمد على النفط والغاز، وتكمن أهمية النفط كونه مصدرا للمواد الخام الأساسية لشتى فروع الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية وغيرها كثير.

والمنطقة العربية تحوي على أربعة أحواض كبرى للنفط، مع العلم أن كثير من مناطق الوطن العربي لم تُمسح بعد…كما أنها خزان الطاقة الشمسية،ومع ذلك كله فالصناعة العربية ما زالت في مجملها صناعات استخراجية.

رأينا كيف يمتلك الوطن العربي المساحة والعمق الاستراتيجي، والكتلة البشرية، والطاقة، والأرض الزراعية، والممرات الحيوية..بقي أن نعالج نقاط الضعف وبناء التصور.

بوصلة التاريخ :  يقدم سبيكمان وهو واضع تصورات الولايات المتحدة الجيوبولتيكة فكرة أهمية أرض الحافة وتشمل (المناطق البرية والبحرية وأرض الجزيرة العربية والعراق وإيران وأفغانستان والهند وجنوب شرق اسيا والصين وكوريا وشرقي سيبيريا) وهو يقدمها بسبب مهم يراه وهو أن هذه المناطق شهدت في تاريخيها قيام دول قوية غزت الغرب وتوغلت في وسط جنوب أوروبا، ويقدم نموذجين أولهما الفتوح الإسلامية التي وصلت لحدود فرنسا غربا وحولت البحر الأبيض إلى بحيرة عربية، والنموذج الثاني هو الدولة العثمانية التي وصلت لشرق ووسط أوربا وبالتالي يدعو لتجنب مثل هذا السيناريو…ويبقى الحديث عن أرض الحافة أوسع من مقولة سيبكمان فهي متعلقة بالسيطرة على الجزيرة العالمية ومن ثم العالم..وهو ما يطرح علينا كعرب سؤال الموقع العربي الجيوبولتيكي وترجمته.. ففهمنا للمنظور الجيوبولتيكي للمنطقة العربية يقودنا مباشرة لفهم حركة القوى المحيطة بالوطن العربي وعلاقتها بالمنطقة، وهي مناطق شكّلت عبر التاريخ عوامل جدب أو طرد فصحراء الجزيرة العربية وجبال ايران والأناضول أو آسيا الصغرى شكّلت مناطق الطرد في اتجاه بلاد مابين النهرين او العراق والشام وحين تقوى حضارة ما سرعان ما تتدفق قواتها في محيطها الحيوي للسيطرة على طرق تجارتها وبذلك تنشأ الإمبراطوريات.. وهنا الإشارة إلى أن أي ضعف للقوة العربية يعني تمدد النفوذ الغربي والشرقي، لتصبح المنطقة العربية رهينة لمشاريع كبرى لتتحول لمناطق ارتكاز ودول وظيفية للاعبين الكبار.

أما لحظة ظهور الوحي وانبعاث الفكرة الجديدة فإن ما حصل هو العكس..فقد امتد المشروع الإسلامي ليستوعب شعوبا ومناطق (جبال ايران، مصر، هضبة الأناضول) تحت عنوان واحد هو الإسلام ليسدوا الباب أمام قوى ما وراء البحار القادمة من أوربا.

إنه إعلان ما يمكن أن نسميه مثلث (العرب والفرس والترك) حين يجد معادلة التعاون والتنسيق تكتسب المنطقة حصانتها في وجه قوى ما وراء البحار، وحين لا يجد معادلته الصحيحة ينقلب على ذاته ويدمّرها ثم يخضع للقادمين من وراء البحار كما حدث مع الصليبيين، أو كما حدث في الغزو المغولي الكبير.

النقطة الثالثة عشر :  نحو خارطة طريق أولية فحين تفكّر الكتل الإقليمية (ايران وتركيا) للتمركز في عالم الغد، وتفكر في ذلك دويلة صغيرة مثل :  (إسرائيل) بملايينها الخمسة، وحين تفكر في الأمر نفسه دول العالم كلها فمن المعيب أن نعجز نجن عن ذلك..إن المستقبل هو ابن الأحلام الكبيرة.. والأحلام الكبيرة هي بنت الإرادات التي تؤمن بها وتشق لها المسار.

وضع الكاتب عناصر الخريطة وفق المخطط التالي :  (الرؤية – المهمة – التحديات – الأهداف الكبرى والمرحلية – السياسات- الحركة والتنفيذ – آليات التقويم)

حين ندرك خطورة أداة الجيوبوليتيك وأثرها الكبير على مصائر الأمم.. وندرك درجة غيابها عن العقل العربي..وبعدها عن ساحات التفكير في المنطقة.. وندرك حجم الخطر الذي نتعرض له..فإن كان العالم متغيرا تزول فيه إمبراطوريات وتُمسح دول من على الخرائط وتفتت أوطان، وكل ذلك بفعل حركة التدافع الكوني.. فحري بنا أن نتوقف للنظر لمستقبل أوطاننا ونستجمع عزيمتنا لصناعة منظورنا الجيوبوليتيكي والذي يعني تصورنا لمصالحنا وأمننا واستقرارنا في عالم غير مستقر.

ويمثل هذا الكتاب الحلقة الأولى لفهم أداة الجيوبولتيك.. والناظر للمنطقة العربية والعالم من حولها سيرى نماذج كثيرة لتطبيقات تمثل اليوم تحديات حقيقية أمام مستقبل المنطقة.

Google Ads

هذا الحساب تابع لمدونة مدون محترف وهو خاص بقوالب بلوجر التي نقوم بتعريبها

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة